
للتواصل معنا
كتاب شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام من تأليف ابن وحشية النبطي، في عالم تتداخل فيه الحروف بالرموز وتتمازج فيه اللغات القديمة بصدى الأرواح المنسية يظهر كتاب شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام بوصفه مصباحًا يضيء دهاليز الغموض ودهشة العصور الماضية، حيث يسطّر ابن وحشية النبطي عالِم الكيمياء واللغات النبطية خلاصة علمه وبصيرته في فك طلاسم الرموز التي حيّرت العقول عقودًا متوالية.
وُلد ابن وحشية النبطي في القرن الثالث الهجري وظل اسمه يتردد بين أسطر الكتب المهتمة بالكيمياء والسحر واللغة والزراعة، ويُعد كتاب النبطي والفلاحة النبطية من أبرز مؤلفاته غير أن كتابه هذا تحديدًا شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام ظل متفردًا بطبيعة موضوعه وأسلوبه، إذ يكشف فيه عن 89 لغة قديمة ويقارنها بالعربية لغة الضاد موضحًا تشابهات وتقاطعات مذهلة في بناء الكلمات وتشكيل الحروف.
يتناول كتاب شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام لغات شتى منها الكردية والهيروغليفية والسريانية والفارسية والعبرية والأمازيغية، وهو بذلك لا يقدم فقط ترجمة للرموز بل يقدم فلسفة كاملة للغة بوصفها كيانًا حيًا نابضًا يمكن فهمه من خلال الإيقاع الداخلي لا مجرد الرسم الخارجي، وقد بلغ من دقة ابن وحشية في تحليل الرموز أن سبق شامبليون مكتشف اللغة الهيروغليفية بستة عشر عامًا حين نُشرت ترجمة إنجليزية لمخطوطته في لندن عام 1806، وقد أشارت بعض المصادر إلى أن شامبليون ربما اطّلع على هذه المخطوطة لكن لا دليل قاطع يؤكد ذلك.
واحدة من عجائب هذا الكتاب أنه جمع بين شغف العالم ودقة الفيلسوف وإلهام الشاعر فهو لم يكتفِ بفك الرموز بل تأملها وتأمل شعوبها وربط بينها وبين الحضارات التي ولدت منها، فهو يرى أن اللغة امتداد للهوية وأن فهم الرمز يقود لفهم الروح لذلك نجد أن كتاب شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام لم يكن مجرد دراسة لغوية بل خطابًا فلسفيًا عميقًا يتحدث عن تاريخ البشر وذاكرة الزمن وخفايا العلم.
يظهر في الكتاب أيضًا ميل واضح لدى ابن وحشية النبطي شوق المستهام لفهم اللغة ككائن سحري له قدرات تتجاوز التعبير إلى التأثير وهو ما يتماشى مع اهتمامه بالسحر والرموز والعلامات، ويبدو ذلك جليًا في تفسيره لبعض الأبجديات التي يرى أنها ليست مجرد أدوات تواصل بل مفاتيح كونية لها قدرة على التغيير والتحول والتأثير في الحاضر والمستقبل.
كما لا يغيب عن القارئ أسلوب كتاب شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام الفريد، إذ يمتزج فيه الحس الشعري بالنفَس العلمي وتظهر فيه نَفحات من أفضل كتب الشعر النبطي التي تعكس ثقافة الكاتب النبطية وتمكنه من تطويع اللغة وسحرها ضمن منظومة علمية شديدة التعقيد.
لقد أعاد هذا الكتاب صياغة فهمنا للغات القديمة وربط بين النقوش والجغرافيا والرموز والحضارات وهو لا يزال حتى اليوم مصدر إلهام لكل من يبحث عن الجذور الخفية للمعرفة، وقد صار البحث عن ابن وحشية النبطي pdf شائعًا بين طلبة اللغويات والمؤرخين والباحثين في علوم ما قبل الحداثة.
من أبرز ما يُذكر في سياق هذا الكتاب أنه ورد ذكره في كتاب دلالة الحائرين للفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون، وهو ما يؤكد قيمة هذا العمل الفكرية والعلمية ويمنحه بعدًا إضافيًا في سياق تداخُل الثقافات والأديان والعلوم عبر التاريخ.
في المحصلة لم يكن شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام مجرد مؤلف من مؤلفات ابن وحشية النبطي بل كان رؤيا لغوية تأسر العقل وتخاطب الوجدان، وتمنح القارئ مفاتيح لفهم الكتابات المنسية على جدران الزمن إنه وثيقة تاريخية مدهشة ولغوية عميقة تحمل قيمة خالدة بين أسطرها وتمنح قارئها دهشة الاكتشاف في كل صفحة.
إن كتاب شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام عمل فريد سبق زمنه وجمع بين عبق الأساطير وأصالة العلم وانفتاح الفلسفة، وهو اليوم يشكل حجر زاوية لفهم لغات العالم القديم وبداية طريق لكل من يريد أن يفهم كيف نطقت الحجارة بالحروف وسردت العيون قصص الشعوب بلغة الرموز العميقة.