
للتواصل معنا
رواية الرواية المسروقة للكاتب حسن كمال، عمل أدبي نفسي ينبض بالحيوية ويتسم بإيقاع سريع يغوص في كواليس عالم النشر وخفايا الكتابة وعوالم الذات المتمردة الباحثة عن خلاصها، تدور أحداث الرواية حول سلمى، امرأة يائسة من ماضٍ لم تختره، محاصرة بوحدتها، فتختلق صديقة خيالية تدعى ريما، الوحيدة التي تصغي لها وتفهمها، ومع مرور الزمن تلجأ سلمى لطبيبتها النفسية، محاولة أن تتحرر من أسر الذكريات عبر مشروع شخصي بالغ الغرابة: أن تكتب روايتها الخاصة مستندة إلى تفاصيل حياتها وأقدار المحيطين بها في محاكاة للقدر نفسه.
في رواية الرواية المسروقة يراقب القارئ كيف تتخذ البطلة قرارها المصيري أن تكون المبتدأ والفاعل في حياتها، لا مجرد مفعول به للأحداث، تقرر أن تبدأ الكتابة في محاولة لفرض سيطرتها على حياتها المضطربة، فتكون الكاتبة والشخصية والحدث في آن واحد، تنسج صفحاتها من واقعها بأفعال مضارعة لا تعرف السكون.
تدفعها رحلتها الجديدة إلى لقاء أميرة بدراوي، شخصية حقيقية صارخة في واقعيتها، امرأة كانت في الماضي من رموز التيارات الدينية ثم انقلبت إلى رمز للثورة والتمرد، واستقرت أخيرًا في عالم الشهرة الإلكترونية، تدير مقهى وموقعًا اجتماعيًا باسم "حجر تفاح"، حيث تحرك الثقافة وتسوّق للكتب كما تُسوّق للنجوم، وتؤثر في القراء بنفوذها الهائل.
عبر لقاء مكهرب، تدخل سلمى إلى عالم أميرة، تكتشف حقيقة النشر المعاصر حين يصبح الكتاب مجرد سلعة، ويغدو الكاتب لاعبًا صغيرًا في لعبة أكبر تتحكم بها الأرقام والمتابعات والإعلانات، تدرك أن روايتها لا يكفي أن تكون جيدة، بل تحتاج إلى حدث مثير يسحب الأضواء.
تمضي الرواية المسروقة إلى أعماق أكثر تعقيدًا يتقاطع فيها الطموح الشخصي مع الحقيقة المرة، يدفعها الفضول لقبول فكرة أميرة رغم إدراكها أن الطريق ليس بريئًا كما يبدو، فالعالم الجديد لا يعترف بالصدق وحده بل يحتاج إلى الإثارة مهما كانت زائفة.
في هذا السياق تبرز شخصية أمجد سليم الروائي الشهير الذي نصح سلمى بأن تكون هي الكاتبة والمكتوبة معًا، يتردد اسمه أكثر من مرة كعلامة على الانبهار بفكرة السطو على الحياة وتحويلها إلى أدب، يظهر أيضًا مالك الداعية السابق الذي صار بطل الشائعات والأحاديث المثيرة وتقترح أميرة استغلال حكايته المثيرة لبيع الروايات الجديدة.
رواية الرواية المسروقة عمل يمزج ببراعة بين النقد الاجتماعي والنفسي والثقافي، ويعرض واقع الكتابة والنشر بلغة مرنة نابضة، لا تغرق في الإنشاء ولا تستسلم للوعظ، بل تمضي في وصف تفصيلي يكشف كيف تتحول الرواية إلى مسرح للذات والواقع معًا.
يكتب حسن كمال بحساسية بالغة إذ يرسم سلمى ككائن حي ينبض بالرغبة في الهروب والانعتاق، يسلط الضوء على هشاشتها وعلى جرأتها في اتخاذ القرار بكتابة مصيرها بنفسها ويعبر في كل سطر عن مرارة الفقد والخوف من العجز أمام سطوة الحياة.
رواية الرواية المسروقة لا تقتصر على السرد فحسب، بل تحمل في طياتها تأملات فلسفية عن هوية الإنسان أمام تدفق الحياة، عن جدوى الأدب في زمن تسيطر عليه الصورة والضجيج كما تناقش بجرأة معنى النجاح والمعركة الخفية بين الطموح والضمير.
بحبكة متماسكة وأسئلة مفتوحة، تطرح الرواية تحديات الكتابة والأخلاق في زمن باتت فيه الحقيقة سلعة، وتمنح القارئ فرصة للتأمل العميق في مصير الحلم حين يصطدم بجدار الواقع الصلب، في نهاية المطاف تقدم لنا رواية الرواية المسروقة رحلة فريدة داخل النفس البشرية وعالم النشر الجديد، حيث تذوب الحدود بين الكاتب والحياة وبين النص والقارئ نفسه.