
للتواصل معنا
يُعد كتاب بيان ثان من أجل الفلسفة للفيلسوف الفرنسي العميق آلان باديو صرخة مدوية في وجه من أعلنوا "موت الفلسفة"، ودفاعاً جريئاً عن قدرة الفكر على إنتاج الحقيقة في زمن الهيمنة الأيديولوجية، باديو لا يرى الفلسفة مجرد تأمل نظري جامد، بل يصفها بأنها ممارسة حية وإبداعية تهدف إلى إعادة صياغة الحقيقة الإنسانية والكونية، تنطلق الفكرة المركزية للكتاب من مسلّمة تقول: "كل عالم هو قادر على إنتاج حقيقته في نفسه"، وهي حقائق كونية واستثنائية تنبجس في شكل "حدث" يتجاوز مجرد "الكينونة" المعطاة، هذا البيان هو إصرار على أن الفلسفة يمكن أن تكون أداة للتحرر البشري والتفكير الجذري، وهي دعوة لنا لنسأل: في أي زمن من التفكير نحن نعيش؟
يعيد باديو تعريف الفلسفة في كتاب بيان ثان من أجل الفلسفة على أنها نشاط إنتاجي يخلق مفاهيم جديدة، بدلاً من أن يكون مجرد اكتشاف لأشياء موجودة مسبقاً، ولإنجاز هذا الإنتاج، يجب على الفلسفة أن تتفاعل مع أربعة مجالات أساسية يطلق عليها "شروط الحقيقة"؛ تلك المجالات التي تظهر فيها الحقائق غير المقيدة بالزمان:
العلوم: الحقائق المجردة والكونية التي تنتجها الرياضيات، والتي تتجاوز مجرد المعرفة (الحالة الثابتة لما نميّزه).
الفنون: الإبداع الفني والأدبي كالشعر والموسيقى الذي يلامس جوهر التجربة الإنسانية، ويتجاوز مجرد "الأجسام" و"اللغات".
السياسة: لحظات الثورات والتحولات الاجتماعية التي تهدف إلى المساواة.
الحب: العلاقة الوجودية التي تؤثر في فهم الذات والآخر، وتكشف حقيقة الكينونة المشتركة.
من هنا، يصبح الهدف من كتاب بيان ثان من أجل الفلسفة هو مساعدة هذه الحقائق على الانبجاس مرة أخرى، من خلال "الإخلاص" للحدث المؤسس، هذا الإخلاص يعقب "حدثا" مؤسساً، ويخلق "ذاتاً" مناسبة لم تكن ممكنة قبل وقوعه، هذا ما يوضح أن الترجمة نفسها هي نوع من الوفاء لكونيات مفردة، حيث يساعد المترجمون "حقائق" على الانبجاس في لغة أخرى.
يتحدى باديو في كتاب بيان ثان من أجل الفلسفة فلاسفة ما بعد الحداثة الذين حكموا على الفلسفة بالموت، معتبراً أن هذا الرأي يقلل من قدرتها على إنتاج مفاهيم فلسفية جذرية لمواجهة القضايا المعاصرة، لكن النقد الأقسى يوجهه باديو لـالديمقراطية الليبرالية وأيديولوجيا حقوق الإنسان، معتبراً إياها نموذجاً يخدم المصالح الرأسمالية ويمنع ظهور الحقيقة السياسية الحقيقية المرتبطة بالتحرر.
بدلاً من هذا النموذج، يدعو باديو، في موقف سياسي وفكري جريء، إلى إحياء الشيوعية كفكرة فلسفية، وليس بالضرورة كنظام حكم تطبيقي، هذه الفكرة مرتبطة بالمساواة المطلقة ومقاومة الهيمنة الرأسمالية والاستغلال الاجتماعي، يصر باديو على أن الفلسفة يمكن أن تكون المرشد الذي يقود النشاط السياسي نحو تحقيق الحقيقة والعدالة، إن كتاب بيان ثان من أجل الفلسفة يمثل دفاعاً عن الفلسفة كممارسة نشطة تتجاوز حدود التخصصات الجامدة، وتُصبح مشروعاً لبلورة حقائق سياسية واجتماعية جديدة في مواجهة تحديات العصر وعدم المساواة.