ملخص رواية أين اسمي | هوية ضائعة في ذاكرة دمشق

المؤلف : ديمة الشكر

كتابة : ياسر مرعي

رواية أين اسمي من تأليف ديمة الشكر، عمل أدبي عميق يستحضر ذاكرة دمشق والمرأة العربية بين قرنين من الألم والبحث عن الذات، بأسلوب شاعري يوازن بين التاريخ والخيال، ويطرح سؤال الهوية والكتابة والغياب.


ملخص الكتاب

ملخص رواية أين اسمي للكاتبة ديمة الشكر، هل يمكن أن يفقد الإنسان اسمه كما يفقد وطنه؟ هل يمكن أن تبتلع المآسي أصوات النساء حتى لا يبقى منهن سوى صدى التاريخ؟ هذا السؤال هو ما تقف عنده رواية أين اسمي، العمل البديع للروائية السورية ديمة الشكر، الذي يستحضر الوجع الجمعي للمرأة في زمنين مختلفين، ويمزج الحكاية بالتاريخ، والذاكرة بالهوية.

 

الحكاية بين دمشق ولندن

في رواية أين اسمي، تتقاطع مصائر امرأتين سوريتين من زمنين مختلفين: قمور التي ولدت من رماد مذبحة دمشق عام 1860، وزينة التي تهرب من جحيم الحرب السورية عام 2018، تعيش قمور تجربة الخادمة في بيت القنصل البريطاني ريتشارد بورتون، لتتحول من فتاة هامشية إلى شاهدة على التاريخ، تدوّن المذبحة وتكتب الألم دون أن يُذكر اسمها على الكتاب، بعد قرن من الزمان، تعثر زينة في لندن على ذلك المخطوط المجهول، وتبدأ رحلة البحث عن الكاتبة الحقيقية، لتكتشف أن المرأة التي دوّنت المجزرة لم يُعترف باسمها، كما لم يُعترف بهوية نساء كثيرات عبر التاريخ.

تسرد رواية أين اسمي حكاية دمشق الجريحة، بين الحروب والمجازر والاستشراق الغربي، الكاتبة توظف السرد لتوثّق، لا لتبكي فقط، فتجعل من قمور رمزًا للمرأة العربية التي جُردت من صوتها واسمها وحقها في الحكاية، وبين سطور الرواية، يتجلّى السؤال الكبير: من يكتب التاريخ؟ ومن يُذكر اسمه على الغلاف؟ قمور كتبت كتابها دون أن يُكتب اسمها، وزينة بعد قرن من الزمن تكتشف أن التهميش نفسه ما زال قائمًا.

 

التحول من الخادمة إلى الكاتبة

يتتبع النص رحلة قمور من الجهل إلى المعرفة، من الخوف إلى الوعي، ومع كل مرحلة من مراحل تعلمها النسخ والتدوين، تتغير رؤيتها للعالم ولذاتها، في البداية كانت تقول: "أنا سقط المتاع"، لكنها تتحول لاحقًا إلى امرأة قادرة على الكتابة والتعبير والتمرد على صمتها، من خلال قمور، تُظهر رواية أين اسمي أن التعليم ليس وسيلة للترقي فقط، بل للتحرر من الهيمنة والسلطة الذكورية والاستعمارية معًا.

المدينة ليست خلفية في رواية أين اسمي بل كائن نابض يعيش مع البطلتين، دمشق تتبدل بين الفصول والزمنين، لكنها تظل مدينة الذاكرة والدم والهوية، تصف الكاتبة تفاصيلها ببلاغة آسرة: بلاطات القيشاني، أزقة باب توما، الطاولات المصدفة، والمصابيح النحاسية، وكأن الرواية تعيد بناء دمشق من خلال اللغة، وهكذا تصبح المدينة مرآة للمرأة التي تسكنها: جميلة، مجروحة، صامدة رغم محاولات طمسها المتكررة.

 

تداخل الأزمنة والهوية

في القسم الثاني من الرواية، تعيش زينة في لندن الرقمية، مدينة القوانين والخرائط المنظمة، لكنها لا تنجو من السؤال ذاته: "أين اسمي؟" تدرس العمارة لتفهم روح القيشاني الدمشقي، وتتعلم من أستاذها الإنجليزي كما تعلمت قمور من القنصل البريطاني، الفارق بين الماضي والحاضر يتلاشى، ويصبح السؤال واحدًا: لماذا تحتاج المرأة دائمًا إلى صوت أجنبي ليعترف بوجودها؟

 

الرواية بين الحكاية والفلسفة

تحمل رواية أين اسمي عمقًا فلسفيًا يتجاوز الحدث التاريخي، إنها ليست مجرد حكاية عن مذبحة أو حرب، بل عن هوية مسلوبة واسم غائب في ذاكرة الوطن، الكاتبة تستخدم تقنيات السرد المتوازي لتطرح جدلية الصمت والكتابة، الذاكرة والنسيان، الشرق والغرب، وتُبقي النهاية مفتوحة، كأن السؤال ما زال يطرق أبوابنا: هل يكفي أن نكتب لنستعيد أسماءنا؟ العنوان "أين اسمي" لا يخص قمور وحدها، بل كل امرأة لم يُعترف بوجودها، وكل مدينة فقدت ملامحها في الحروب، في رواية أين اسمي يتحول الاسم إلى مرآة للهوية، وإلى استعارة كبرى عن البحث الإنساني في زمن الضياع.

 

جمالية اللغة والأسلوب

تتألق رواية أين اسمي بلغة شاعرية متقنة، تمزج بين السرد الواقعي والتأمل الوجودي، الجمل قصيرة، نابضة، تحمل في طياتها رهافة شعرية وعمقًا فكريًا، من خلال هذا الأسلوب، تنجح الكاتبة في نقل القارئ بين عوالم دمشق القديمة ولندن الحديثة دون أن يفقد الإحساس بالدفء أو الحنين.

رواية أين اسمي ليست مجرد عمل أدبي، بل وثيقة إنسانية عن صراع المرأة مع النسيان، وعن ذاكرة المدن التي تنزف ولا تموت، عمل يربط الماضي بالحاضر، ويجعل من الكتابة فعل مقاومة ضد التهميش والطمس، إنها صرخة كل امرأة وكل مدينة تقول للعالم: أنا هنا، وهذا اسمي.