من تأليف توماس مان
نبذة عن المؤلف
بول توماس مان (بالألمانية: Thomas Mann) أديب ألماني ولد في 6 يونيو 1875 وتوفي في 6 أغسطس 1955 في زيورخ. حصل على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1929. استهل سيرته الأدبية عام 1901 برواية جريئة "بودنبروكس أو سقوط أسرة" (Buddenbrooks)، وتبعتها روايات أُخر أشهرها "موت في البندقية" (Der Tod in Venedig). غير أن رائعته التي ذاع صيتها وأسهمت في نيله جائزة نوبل الأدبية عام 1928، كانت "الجبل السحري" (Der Zauberberg). من مفارقات آرائه السياسية أنه أثناء الحرب العالمية الأولى ناصر ألمانيا في صراعها المرير ومحنتها المصيرية، وأفصح عن تصوره في بحث وجيز عنوانه "استبصارات رجل لا سياسي" (Betrachtungen eines Unpolitischen)، ولكنه ما لبث أن ناهض النازية مناهضة شرسة أفضت به إلى المنفى من بعد أن عمد الحزب النازي إلى حرق كتبه في الساحات العامة وتجريده من جنسيته الألمانية. أقام فترة في فرنسا، ومن ثم في سويسرا. وما لبث أن يمم شطر الولايات المتحدة الأميركية ليقيم فيها زمناً طويلاً حتى عودته إلى ألمانيا عام 1952. إبان منفاه الأميركي هذا حبَّر رباعيته الشهيرة "يوسف وإخوته" (Joseph und seine Brüder)، وأنشأ رواية "الدكتور فاوستوس" (Doktor Faustus). قبل عودته إلى وطنه، نشر في عام 1951 رواية "المصطفى" (Der Erwählte).توماس مان، شاعر التأمل في انحطاط المجتمع الإنساني وتلاشي القيم وموت الروح، كان يبحث عن عوارض اللاعقلانية التي تفتك بالإنسان المعاصر، بيد أن تفاقم الانحطاط لا يملك إلا أن يحرر القيم الروحية الضرورية من أجل استنقاذ الذات الإنسانية المعذبة. ومن ثم لا يمكننا أن نفهم عمق المقاصد التي انطوت عليها أعماله من دون التبصر في الاتجاهات اللاعقلانية التي سارت فيها بعض المذاهب الفكرية والأدبية الألمانية، وقد تجلت في تصورات شوبنهاور (1788-1860) وڤاغنر (1813-1883) ونيتشه (1844-1900)، لذلك اتسم إنشاؤه الأول باللاعقلانية الجامحة هذه، وكذلك تأثرت بها آراؤه السياسية في مستهل نشاطه. لا يخفى على أحد أن المجتمع الألماني في مطلع القرن العشرين كان حاقداً حقداً شديداً على السياسة يحتقر ميدانها، ويسفه طرائقها، ويرذل رجالاتها.ومن ثم، أخذ يتقرب من الحركة العمالية الاجتماعية - الاشتراكية ويستحثها على مقاومة الانحراف النازي، بيد أن الأوساط الاشتراكية لم تفهم معنى هذا الانقلاب، فأخذت تعيب عليه تحوله المفاجئ وتنتقد سرعة التغيير في مواقفه الأساسية، على غرار الهجاء الذي قذفه به برتولت برشت (1898-1956)، مع أن هذا الأخير كان يعشق "الجبل السحري"، على رغم نفوره الحاد من شخصية توماس مان. خلفية المخاصمة أن برشت لم يكن يرضى بالتماهي الذي أنشأه خصمه بين ألمانيا والنازية، وكان يعذر الجنود الألمان الذين اضطروا إلى خوض الحروب خوفاً من الإعدام العسكري، في حين أن صاحب "الجبل السحري "كان يعتقد أن ألمانيا لن تستعيد دعوتها الحضارية إلا إذا أفنى الحلفاء آلافاً من الجنود الألمان المؤدلجين.ومن ثم، أخذ يتقرب من الحركة العمالية الاجتماعية - الاشتراكية ويستحثها على مقاومة الانحراف النازي، بيد أن الأوساط الاشتراكية لم تفهم معنى هذا الانقلاب، فأخذت تعيب عليه تحوله المفاجئ وتنتقد سرعة التغيير في مواقفه الأساسية، على غرار الهجاء الذي قذفه به برتولت برشت (1898-1956)، مع أن هذا الأخير كان يعشق "الجبل السحري"، على رغم نفوره الحاد من شخصية توماس مان. خلفية المخاصمة أن برشت لم يكن يرضى بالتماهي الذي أنشأه خصمه بين ألمانيا والنازية، وكان يعذر الجنود الألمان الذين اضطروا إلى خوض الحروب خوفاً من الإعدام العسكري، في حين أن صاحب "الجبل السحري "كان يعتقد أن ألمانيا لن تستعيد دعوتها الحضارية إلا إذا أفنى الحلفاء آلافاً من الجنود الألمان المؤدلجين.
من أفضل الأوصاف التي نعت بها توماس مان الساحر البديع الذي طوع الواقع بريشته فرسمه رسماً يوحي بتحوله إلى صورة بهية من صور الاستنهاض الأخلاقي والأدبي. جاء هذا الوصف في رواية الناقد الأدبي الروائي الإيرلندي كولم تويبين الصادرة حديثاً (Colm Toibin, The Magician). الحقيقة أن الألمان استقر في وعيهم أن أديبهم الروائي الشهير، خلافاً لأخيه هاينريش، اعتصم بموقف البورجوازي المتمسك بالثقافة الكلاسيكية، الحريص على المأثور التقليدي المتواتر في التعبير الراقي، المستنكف من العمل السياسي الملطخ بالمساومة الرخيصة. وعلاوة على ذلك، عاين فيه بعضهم مثال المتزهد المترفع المنصرف إلى انتقاد المجتمع والاستهزاء بصغائره وتفاهاته.
تحتشد في نصوصه الاستطرادات الثقافية الموسوعية المسرفة في طلب دقائق المعرفة، وتهيمن على أسلوبه نزعة الإتقان التعبيري والمتانة السبكية والصفاء البياني. مالت إلى أدبه أوساط ثقافية شتى من جراء بحثها عن أسلوب في الكتابة يتمرد على الرتابة الوصفية من غير أن يسقط في الهيجان الوجداني الذي تحتفي به الرواية الحديثة. ومع ذلك، ما برح النقاد يعيبون عليه سمات التلبث العنيد بالأسلوبية الجرمانية المرهقة تتجلى في الاستطرادات العلمية المربكة، والمباحثات الفكرية المطولة، والتناولات الميتافيزيائية الشاقة. على رغم الانتقادات الصائبة هذه، فلا بد من الإقرار بأن جرأته في خوض النقاش الوجودي جعلته يعالج موضوعات الحياة المعاصرة، ومنها علاقة الجسد بالروح، والصحة بالمرض، والمرض الجسدي بالمرض النفسي، والتوهمات التخيلية في انفلاتات الوعي الشردية، واعتلانات اللاوعي المباغتة، وخلفيات الإخضاع والخضوع الغريزية، واستقصاءات الإبداع التحليلية النفسية. في سياق آخر، ذهب بعضهم الآخر إلى استثمار العزوف المبدئي في مواقفه السياسية من أجل استخراج تصور ثقافي يناهض السياسة بحد ذاتها، ويعطل مقام الدولة، ويبطل كل مسعى عقائدي، مهما تنوعت مضامينه وأساليبه.