
للتواصل معنا
ملخص رواية الرحلة الملعونة للكاتب غيث حمور، عمل أدبي يضع القارئ في قلب عاصفة نفسية على متن طائرة تتجه نحو المجهول، لا يقتصر النص على التشويق بل يذهب إلى أعماق الذات البشرية في لحظة مواجهة مع الماضي والقدر، الطائرة رقم 313 تنطلق محمّلة بركاب يحمل كل واحد منهم جرحاً خاصاً وكأنها سفينة تجمع أرواحاً هاربة من أحكام المجتمع وظلال الطفولة.
من أبرز شخصيات رواية الرحلة الملعونة الطبيب النفسي آرام، يحمل في حقيبته أسراراً أكبر من ملفات مرضاه، هو نفسه المريض والطبيب في آن واحد، وفي المقابل تظهر براءة الشابة التي تتأرجح بين الرغبة في النجاة والندم، كلاهما يسافر جسداً لكنه يواجه روحاً مثقلة، السرد يمنح لكل شخصية صوتها الداخلي فيكشف صراعها الحميمي أمام القارئ.
الطائرة في رواية الرحلة الملعونة تتحول إلى مسرح للأسرار، مقاعدها ليست مجرد أماكن بل اعترافات مؤجلة، أبوابها ليست مغلقة فحسب بل موصدة على ماضٍ يرفض الرحيل، وهنا يتولد السؤال الحاد: هل يمكن للمرء أن يدفن جراحه بمجرد أن يغيّر موقعه الجغرافي، الطائرة تذكّر بأن الرحلة الحقيقية داخلية، إنها رحلة إلى الذات قبل أن تكون إلى كوالالمبور.
توظف الرواية أسلوب الزمن المكسور حيث تتداخل الذكريات مع الحاضر، في لحظة يجد القارئ نفسه على مقعد الطائرة ثم ينقله السرد فجأة إلى كابوس من الطفولة أو ذكرى حب لم يكتمل، هذه التقنية تجعل رواية الرحلة الملعونة أكثر قرباً من الواقع النفسي حيث الماضي لا يفارقنا بل يتسلل إلى كل قرار جديد.
الرواية لا تكتفي بتصوير الشخصيات بل تحفر في سؤال العدالة، هل يمكن أن يكون الانتقام نوعاً من العدالة، وهل الخلاص من الماضي يعني الغفران أم العقوبة، هنا يتجسد جوهر رواية الرحلة الملعونة إذ يتحول كل حوار داخلي إلى مرآة للمتلقي، القارئ لا يراقب فقط بل يُستدرج ليتساءل عن نفسه، عن جروحه، عن خصومه، وعن الحدود بين الحق والذنب.
السرد يتناوب بين صوتي آرام وبراءة، كل واحد منهما يرى الأحداث من زاويته الخاصة، هذا التناوب يكشف أن الحقيقة ليست واحدة، وأن أي رواية للحياة تحمل أكثر من منظور، بهذه التقنية تمنح رواية الرحلة الملعونة القارئ فرصة للعيش داخل شخصيتين في آن واحد، فتزداد حدة التوتر ويصبح النص أكثر تشابكاً مع التجربة الإنسانية العميقة.
الرموز تحضر بقوة، المقعد الفارغ يرمز للغائبين الذين لم يغادروا الذاكرة، صمت السماء يرمز للمصير الغامض، بينما جناح الطائرة يرمز لمحاولة الهروب من قيود الماضي، كل تفصيل في رواية الرحلة الملعونة يتجاوز وظيفته الواقعية ليصير علامة على قلق الإنسان الوجودي.
حين تقترب الطائرة من مصيرها الغامض يكتشف القارئ أن النهاية ليست في الأرض بل في داخل الركاب، الرواية لا تقدم خاتمة تقليدية، بل تترك فراغاً مقصوداً يتيح التأمل، هل انتهت الرحلة حقاً، أم أن اللعنة ستظل تلاحق كل شخصية في داخلها، هنا تكمن قوة النص، إنه يدفعك لتفكر لا لتكتفي بالمشاهدة.
رواية الرحلة الملعونة ليست رواية سفر عابرة، إنها نص عن الخوف والجرح والبحث عن العدالة، كل شخصية تمثل جانباً من الإنسان في صراعه مع ماضيه، والرسالة أن النجاة لا تكون بتبديل المكان بل بمواجهة الذات، ومن دون هذه المواجهة سيبقى الإنسان عالقاً في طائرة لا تهبط أبداً.