للتواصل معنا
ملخص كتاب المثقف والسلطة للكاتب المفكر إدوارد سعيد، هل يمكن أن يقف الفكر في وجه القوة؟ وهل يملك المثقف سلاحًا غير الكلمة ليواجه بها صلابة العروش وصمت الجموع؟ في كتاب المثقف والسلطة يفتح إدوارد سعيد باب الأسئلة الوجودية حول دور المفكر في عالمٍ تتنازعه الأنظمة والمصالح والحقائق الزائفة، إنّه نصّ يمتحن شجاعة الضمير، ويعيد تعريف العلاقة بين الفكر والسلطة، بين الكلمة والواقع.
يبدأ كتاب المثقف والسلطة من السؤال الجوهري: من هو المثقف؟ لا يقدمه سعيد بوصفه حامل شهادة أو موظف معرفة، بل بوصفه ضميرًا حيًّا يزعج الاستقرار الزائف، يستدعي المؤلف أفكار غرامشي وبندا وفوكو ليعيد تركيب صورة المثقف بين التقليدي والعضوي، بين المهني الذي يخدم السلطة، والمستقل الذي يقف ضدها، فالمثقف عنده ليس تابعًا لجمهور أو سلطة، بل شاهد على الحقيقة ولو كلّفه ذلك النفي أو النكران، في هذا الإطار يوضح كتاب المثقف والسلطة أن الفكر الحر هو آخر معاقل الإنسان أمام تسليع الوعي وتدجين العقول.
يرى إدوارد سعيد أن المثقف الحقيقي يعيش على تخوم الخطر، هو الذي يفضح الفساد ويناصر الضعفاء ويتحدى المألوف، في أحد فصول كتاب المثقف والسلطة يناقش كيف تتحول الموهبة إلى مسؤولية، وكيف يصبح الصمت خيانة، يستحضر المؤلف رموز الأدب الغربي مثل جويس وفلوبير وتورجنيف ليبين أن المثقف ليس مجرد ناقد أو مؤرخ، بل هو مرآة لاضطرابات المجتمع وتحوّلاته، إنه الكائن الذي يربط بين الخيال والحقيقة، بين الحلم والواقع، وبين الثورة والضمير.
يمنح سعيد المنفى بعدًا فلسفيًا في كتاب المثقف والسلطة، فليس النفي جغرافيًا فقط، بل فكريًا أيضًا، المثقف المنفي يعيش دائمًا على الهامش، يرى الأشياء من الخارج فيدرك تناقضاتها بعمق، من هنا تنبثق قوة المثقف المغترب الذي لا يملك سوى لغته ليعيد بها بناء وطنٍ رمزيٍّ من الأفكار، في فصل “منفى المثقفين” يصوّر سعيد تلك العزلة بوصفها قدرًا إبداعيًا لا لعنة، فالهامش هو الموقع الذي يولد منه الوعي النقدي والحرية.
يتناول سعيد في كتاب المثقف والسلطة قضية المثقف في المجتمعات الإسلامية والعربية، ينتقد النمط الذي يجعل المثقف صدى للسلطة الدينية أو السياسية، ويرى أن دوره الحقيقي هو تفكيك الثوابت لا تمجيدها، يشير إلى مفكرين عرب مثل علي شريعتي وأدونيس الذين اختاروا المواجهة الفكرية بدل الاتباع، يؤكد أن واجب المفكر ليس أن يقول “الإسلام هو الحل” بل أن يقدم فهمًا نقديًا عميقًا للإسلام بوصفه ثقافة حية متجددة، فالحقيقة لا تُستعار من الماضي بل تُبنى من الحوار والاجتهاد.
يبلغ الكتاب ذروته حين يطرح سعيد فكرة “قول الحقيقة للسلطة”، فجوهر كتاب المثقف والسلطة هو الإصرار على أن الحقيقة فعل مقاومة، المثقف هنا ليس موظفًا في خدمة النظام، بل كائن يزعج صناع القرار ويوقظ الضمير الجمعي، الحقيقة عنده لا تُقال لتُرضي، بل لتُحرر، لذلك كان سعيد نفسه نموذجًا لذلك المثقف الذي يقف في مواجهة التزييف، مؤمنًا بأن الكلمة الحرة يمكن أن تهزم الجدار الصلب للسلطة.
في خاتمة كتاب المثقف والسلطة يدعو سعيد إلى إعادة الاعتبار لفكرة المثقف كهاوٍ، لا كمهني يبيع أفكاره في سوق الإعلام والسياسة، فالمثقف الأصيل لا يبحث عن مكافأة، بل عن معنى، هو الذي يخيب أمل الجميع لأنه يرفض أن يكون أداة لأحد، وهنا تتجلّى عظمة المثقف الذي يخسر المناصب ليكسب نفسه، ولأن كتاب المثقف والسلطة لا يناقش قضية عابرة بل يضع إصبعه على جرح الإنسانية الدائم: العلاقة بين الفكر والقوة، إنه دعوة لأنسنة المعرفة وتحريرها من الأيديولوجيا، ودعوة للقراء كي يكونوا شهودًا على الحقيقة لا متفرجين عليها.