
للتواصل معنا
ملخص كتاب جسمك يتذكر كل شيء للكاتب بيسيل فان دير كولك، هناك كتب تفتح لك بابًا إلى عوالم لم تكن تراها، وهناك أعمال تغيّر نظرتك إلى ذاتك وإلى الحياة، كتاب جسمك يتذكر كل شيء للباحث وخبير الأعصاب بيسيل فان دير كولك ينتمي إلى الفئة الثانية، فهو لا يكتفي بوصف الصدمة النفسية، بل يكشف كيف تعيش داخل الجسد وتتخفى في ثناياه حتى بعد مرور السنوات.
الكتاب يبدأ من حقيقة لا يمكن إنكارها: الصدمة النفسية ليست ذكرى عابرة، بل أثر متجذر يمكن أن يتجلى في الجسد قبل العقل، بأسلوب يجمع بين الدقة العلمية والسرد المؤثر، يأخذنا المؤلف في رحلة لفهم كيف يخزن الجسد تجارب الألم، وكيف يمكن لهذه الذكريات الصامتة أن تعرقل الصحة الجسدية والنفسية.
أمضى فان دير كولك أكثر من ثلاثة عقود في دراسة الصدمات وعلاج الناجين منها، وفي كتاب جسمك يتذكر كل شيء يضع بين أيدينا خلاصة سنوات من البحث والخبرة السريرية، يشرح كيف يمكن للصدمة أن تعيد تشكيل الدماغ حرفيًا، فتؤثر في مناطق مسؤولة عن المتعة، الثقة، وضبط النفس، ما يجعل الإنسان يعيش في دائرة من التوتر والعزلة.
يعرض الكتاب أرقامًا صادمة عن انتشار الصدمات في المجتمع: واحد على الأقل من كل خمسة أشخاص يتعرض للتحرش، وواحد من كل أربعة يعيش مع مدمنين، وزوج من كل ثلاثة أزواج يشهد عنفًا جسديًا، هذه الإحصاءات ليست مجرد أرقام، بل وجوه وقصص وتجارب إنسانية، وهي تذكير بأن الصدمة تمسنا جميعًا بطريقة أو بأخرى.
لكن الكتاب ليس مرثية للألم بقدر ما هو خريطة للشفاء، ففي صفحاته نجد عرضًا لطرق علاجية مبتكرة: من الارتجاع العصبي إلى التأمل، من الصلاة إلى اليوجا، ومن العلاج بالحركة إلى اللعب، هذه الوسائل لا تعالج الأعراض فقط، بل تساعد على إعادة بناء العلاقة بين الجسد والعقل، وهي خطوة محورية في التعافي.
يخصص المؤلف مساحة لفهم العلاقة بين الصدمات والأمراض المزمنة، مشيرًا إلى أن الألم النفسي إذا تُرك دون معالجة قد يتحول إلى أمراض فيزيولوجية تستنزف الجسد، وهنا تكمن أهمية التعافي الشامل الذي يراعي الجسد والروح معًا، وهو ما يجعل كتاب جسمك يتذكر كل شيء مرجعًا لا غنى عنه للمهتمين بالصحة الكاملة.
في بعض الصفحات، يلمس القارئ بوضوح أن المؤلف لا يكتب من برج عاجي، بل من قلب التجربة، إذ عمل مع ناجين من حروب، كوارث، وأزمات شخصية قاسية، ويظهر ذلك في القصص الواقعية التي يرويها، حيث يتضح أن الألم قابل للتحول إلى قوة إذا وُجدت الرغبة في الشفاء والأدوات المناسبة لذلك.
ومن أجمل ما في الكتاب أنه يوجه رسالته لكل من يعاني أو عرف شخصًا يعاني، يذكّرنا أن التعافي ليس طريقًا مستقيمًا، بل مسار مليء بالتحديات والانتصارات الصغيرة، ومع كل فصل، يرسّخ المؤلف فكرة أن فهم الصدمة هو الخطوة الأولى لاستعادة الحياة.
عند إغلاق الصفحات الأخيرة، يدرك القارئ أن كتاب جسمك يتذكر كل شيء ليس مجرد قراءة معرفية، بل تجربة تغييرية، إنه دعوة إلى الإصغاء إلى أجسادنا، إلى أن نفهم ما تخبرنا به بصمت، وأن نمنح أنفسنا فرصة للبدء من جديد.