للتواصل معنا
ملخص كتاب حول العالم في 200 يوم للكاتب أنيس منصور، هل تكفي مئتا يوم لاكتشاف العالم؟ وهل يمكن للإنسان أن يرى وجه الأرض بعينيه وقلبه في آن واحد؟ بهذا السؤال يفتتح أنيس منصور حول العالم في 200 يوم ليأخذنا في رحلة تمتد من الشرق إلى الغرب ومن الروح إلى الفكر، إنها ليست مجرد رحلة جغرافية بل اكتشاف للذات من خلال الآخرين.
في حول العالم في 200 يوم ينطلق الكاتب من مصر حاملاً قلمه وفضوله نحو المجهول، يتجول في الهند وسيلان وسنغافورة وأستراليا واليابان والفلبين والولايات المتحدة وجزر هاواي، يسجل ملاحظاته كما لو كان يرسم لوحة متحركة بألوان البشر والعادات والموسيقى والروائح، يتأمل المدن بعين الشاعر ويسأل الأسئلة التي لا يسألها السائح العادي، حول العالم في 200 يوم هو مرآة يرى فيها القارئ العالم بعيني كاتب يؤمن أن المعرفة لا تكتمل إلا بالرحلة.
يتوقف أنيس منصور في مدينة بومباي فيرى الزحام بلا صدام والضجيج بلا فوضى، يندهش من قدرة الهنود على التعايش بسلام واحترام للآخرين، في حول العالم في 200 يوم يصوّر الهند كعالم روحي غارق في الزهد والحب والسلام، يكتب عن مطبخهم الحار الذي يعكس حرارة أرواحهم وعن إيمانهم العميق الذي يمنحهم طمأنينة لا يعرفها الغرب.
في سيلان يرى أنيس منصور أرض الشاي الخضراء حيث يتنفس الناس عطر أوراقه وتاريخ أحمد عرابي الذي علمهم الطربوش، أما سنغافورة فهي بلاد النظام والجمال حيث الفن في كل زاوية والناس يبتسمون للطبيعة، في حول العالم في 200 يوم يصف الكاتب كيف يمكنك أن تتذوق الطعام قبل شرائه أو تقرأ الجريدة دون أن تدفع ثمنها في إشارة إلى بساطة الحياة هناك، ثم يصل إلى إندونيسيا التي تعشق الرقص وتحتفي بالحياة، يلاحظ أن الجرائم الشرفية تكاد تكون معدومة لأن التعليم يجمع الجنسين منذ الطفولة فيغرس المساواة والاحترام.
حين يطأ الكاتب أرض اليابان يشعر أنه في عالم آخر، النظافة والنظام والتفاني في العمل يدهشونه، في حول العالم في 200 يوم يصف طوكيو بأنها مدينة لا تعرف الكسل وأن بيوتها الملونة تشبه نفوس أهلها، يندهش من ثقافة الضحك عندهم التي تعني الاحترام لا السخرية، يرى أن اليابانيين قصار القامة لكنهم عمالقة في الإرادة.
من أجمل فصول حول العالم في 200 يوم قصة لقائه بالدالاي لاما، بعد أن رُفض طلب مقابلته لجأ إلى حيلة لطيفة جعلته يدخل القصر ويلتقيه وجهاً لوجه، وجده شاباً مرحاً لا يتوقف عن الضحك، التقط معه صورة نادرة كانت أول ما يراه العالم لزعيم التبت الروحي، اعتز أنيس منصور بهذه اللحظة التي عدّها تاج رحلته حول العالم في 200 يوم لأنها جسدت المعنى الحقيقي للحوار الإنساني العابر للحدود.
يدعو الكاتب قارئه إلى أن يسافر ليعرف نفسه، فيقول إن السفر لا يضيف للعقل معلومات فقط بل يعيد ترتيب الروح، في حول العالم في 200 يوم يعلّمنا أن نأكل أقل ونعمل أكثر ونصبر على التعب لأن العالم لا يمنح أسراره إلا لمن يسير إليه بخفة الحالم وفضول الطفل، يرى أن الصبر والحيوية هما زاد الرحلة وأن معرفة العالم تبدأ من اكتشاف الذات.
يعد حول العالم في 200 يوم باكورة أعمال أنيس منصور في أدب الرحلات، رفض أن يكون مقرراً دراسياً لأنه أراد أن يختاره القارئ لا أن يُفرض عليه، بعده كتب "بلاد الله خلق الله" و"اليمن ذلك المجهول" و"أطيب تحياتي من موسكو"، لغته السهلة العميقة جعلته من رواد هذا الفن، في حول العالم في 200 يوم جمع بين الطرافة والمعلومة وبين الحس الفلسفي والسرد الأدبي فصنع عملاً لا يُنسى.
نال الكاتب جائزة الدولة التشجيعية عن حول العالم في 200 يوم عام 1963، وظل الكتاب مرجعاً لمحبي السفر والمعرفة لأنه لا يحكي فقط عن الأماكن بل عن الإنسان في كل مكان، بوفاته عام 2011 ترك أنيس منصور تراثاً من الكتب التي جمعت بين الفلسفة والأدب والدهشة، لكن حول العالم في 200 يوم يبقى الرحلة التي عبرت الزمان لتذكّرنا أن الكون أكبر من أن يُختصر في خريطة.