للتواصل معنا
ملخص رواية دار خولة للكاتبة بثينة العيسى، هي مرآة صدئة ترى فيها خولة ملامحها تتلاشى شيئًا فشيئًا، امرأة عربية تعيش في زمن ينسحب من تحت قدميها دون إنذار، هل يمكن للهوية أن تظل راسخة إذا تغير كل شيء؟ خولة في هذه الرواية لا تواجه الآخر فقط بل تواجه نفسها داخل بيتها، في قلب العائلة تصحو الوحشة، وبين جدران مألوفة تتفاقم الغربة.
في رواية دار خولة لا نقرأ عن ثورة نسوية صاخبة بل عن أمّ تقف في مواجهة ناعمة مع أولادها، هي أستاذة للفلكلور، حافظة للموروث، لكنها تُستجوب في بيتها عن قيمها، تقول بحزن: "كل ما أرادته هو تنشئة أبناء فائقين"، فهل نجحت؟ الواقع يُظهر أبناء بلا جذور حقيقية، غارقين في فردانية الحداثة، وهذا ما يفتح الجرح الأكبر: متى يتوقف الحب عن كونه جسرًا بين الأم وأبنائها؟
دار خولة بنت حكيم ليست مجرد مكان بل حالة نفسية، منزل يسكنه الأبناء لكنّه يضج بالفراغ، الرواية تدور في ليلة واحدة، وجبة عشاء تتحول إلى محاكمة غير معلنة، بعد ظهور تلفزيوني سابق أثار الجدل تعيد خولة طرح فكرة الظهور من جديد، هل تطلب رأي أبنائها؟ أم تنتظر إذنهم؟ الصمت المتبادل في العشاء يُشبه صمتًا أكبر استوطن علاقتهم، صمت يتراكم كغبار على هوية الأم التي تنحسر خلف مفاهيم الحداثة.
في رواية دار خولة نلمح ما هو أعمق من حوار عائلي باهت، اللغة نفسها تصبح غير كافية، خولة تتكلم لكن لا أحد يسمع، تشبه في وحدتها شخصيات إريك فروم التي تموت وهي تنظر، وحتى حين تتحدث لا تُفهم، هل فشلت في تربيتهم؟ أم أن الزمن هو الذي فشلها؟ يبدو أن الإجابة الوحيدة هي أن هناك هوةً تتسع بلا توقف.
خولة لا تتمسك بالماضي فقط لأنها تخاف المستقبل بل لأنها تؤمن بجدواه، دار خوله بنت حكيم لا تمثل امرأة من الماضي بل امرأة تقف عند نقطة تقاطع بين زمنين، في مشهد معبر تقول: "كنت أفتقد زوجي وأردت التفرج على الأطفال الذين يرقصون بتلك الأزياء"، العبارة بسيطة لكن دلالتها شاسعة، إنها تريد العيش، الفرح، التقارب، لكنها تحصد سخرية وضجرًا بدل الحنان.
الرواية لا تسعى لتقديم الصراع كمعركة أخلاقية بل تساؤل مفتوح، من الذي تغيّر؟ هل الأبناء خذلوا أمّهم؟ أم أن خولة لم تعرف كيف تكبر معهم؟ ابنها ناصر مثال حي على الاغتراب الداخلي، يعيش على هامش العائلة بلا جذر يربطه، ابن آخر، يوسف، لا يُنصت بل يراقب كغريب، في النهاية، دار خولة لم تعد دارًا بالمعنى العاطفي بل مجرد عنوان فارغ.
في وصف البيت نلمح امتدادًا رمزيًا لعزلة خولة، لا شيء في المكان يشبه الألفة، الجدران صامتة، المائدة ثقيلة، والزمن يبدو متوقفًا، الكاتبة بثينة العيسى تصوغ المكان ككائن ميت يرفض أن يُدفن، البيت لا يرحب ولا يرفض لكنه لا يضم أحدًا، وهذا ما يجعل رواية دار خولة عملاً عن الغربة المنزلية، لا الغربة عن الوطن فقط.
من خلال شخصية دار خولة بنت حكيم تطرح الرواية نقدًا مبطنًا للحداثة الهشة، تلك التي تُجرد الإنسان من روابطه وتجعله فردًا يتوه حتى بين أهله، في أحد المشاهد تقول الرواية: "الصمت وراء الصمتِ صمتٌ ثانٍ وثالث وعاشر"، لا توجد حاجة لشرح هذا الاقتباس، فالصمت هنا ليس فقط غياب الكلام بل غياب الرغبة في الفهم.
الكاتبة تُغني رواية دار خولة بجمل شاعرية لا تفقد بوصلة الواقع، في كل سطر نقرأ ظلًا لجرح، لغة تتردد بين الحنين والخذلان، ومن خلال هذا المزاج الحزين تكتمل صورة خولة كامرأة تقف وحدها في مواجهة زمن لم تعد تعرفه، ومع ذلك، لا تتخلى عن كبريائها، وهذا ما يجعل الرواية شهادة عن امرأة لم تُهزم بل استُبعِدت.