للتواصل معنا
ملخص كتاب صندوقي الأسود للكاتب أنيس منصور، هل يسع الكاتب أن ينقل بحر حياته كله في زجاجة واحدة؟ كتاب صندوقي الأسود هو آخر ما كتبه أنيس منصور ويتناول سيرته الذاتية، ويُعتبر مرثية له أكثر من كونها مرثية لوالدته، يبدأ الكاتب بالتساؤل عن جدوى كتابة المذكرات: "وما فائدة ذلك عند القارئ؟"، يجيب بأسلوب فلسفي: "أنا مثل فلاح يزرع حديقة"، فالعصفور يصوصو بلا غاية، والنحلة تفرز العسل دون أن تتذوقه، وكذلك الكاتب يكتب، كتاب صندوقي الأسود هو محاولة لتقديم كوب واحد من بحر حياته الغزير.
يرتبط القارئ بـ كتاب صندوقي الأسود في صفحات عدة، خاصة تلك التي تتحدث عن طفولة أنيس منصور، لقد نشأ "ولدًا عجوزًا" على الدلال والاهتمام المفرط من والدته، التي كان همها الوحيد أن ينجح بتفوق، هذه الرعاية المبالغ فيها أدت إلى انغلاق اجتماعي، حيث شعر أنيس منصور بالاغتراب عمن حوله، وبنبذ الآخرين له لكونه شخصًا غير طبيعي، يحكي الكتاب عن خوف الأم الشديد عليه، وكيف أنها جعلته منغلقًا اجتماعيًا حتى على إخوته لدرجة ظن القراء أنه الابن الوحيد، يظهر هذا الانغلاق في أسئلة مثل سذاجة محاولة الزواج من أخته، أو ادعاء جهل الأم بمعنى "يهودية" رغم صداقتها ليهودية ومسيحية.
يتميز كتاب صندوقي الأسود بأسلوب أنيس منصور المعتاد، السهل واليسير الذي لا يحمل من المعاني إلا ما يشاكل الألفاظ التي صُبت فيها، لكن هذا الأسلوب يثير انتقادات؛ فمنها ضعف اللغة وكثرة الأخطاء النحوية واللغوية، واستخدام العامية، كما تظهر في كتاب صندوقي الأسود تناقضات في وصف طفولته بين القرية البدائية في الثلاثينات والمكتبات والمدارس المتقدمة، كان شعور أنيس الدائم هو أن التعامل مع الناس قيود، وأفضل حياة يحصل عليها الإنسان هي تلك التي بدون أي روابط إنسانية.
يواجه القارئ في كتاب صندوقي الأسود آفة التكرار في سيرته الذاتية، مما يصيب بالملل في النصف الآخر من الكتاب، لقد سبق أن قرأ القراء أغلب ما كتبه هنا في كتبه السابقة، يؤكد أنيس منصور بنفسه أنه لا يملك حياة غير هذه، لكنه يعترف في موضع آخر أنه كتب مذكرات بلغت 750 صفحة، لكنه ضاق بها فأشعل فيها النار؛ لأنه وجدها "صفحات كاشفة وعارية" حكى فيها ما لا يصح، هذه الصفحات المحروقة هي "الصندوق الأسود" الحقيقي الذي حُرمنا منه، وشكلت حسرة كبيرة على محبيه.
ينص أنيس منصور على أن الكتب التي تناول فيها سيرته الذاتية هي "البقية في حياتي لوحات تذكارية على جدار الطفولة" و "أمي ابنها" و "الشرنقة"، تبدو بعض الفصول في كتاب صندوقي الأسود غامضة ولا يستطيع القارئ معرفة الغاية منها، ولكن الروح المتواضعة والمتشائمة والمنكسرة التي كتب بها هذه الفصول، كانت لتشكل سيرة ذاتية خطيرة لو واصل الكتابة بها، خاصة لو تناول فيها قصص تأليفه لبعض كتبه التي كان لها أثر كبير.