M3aarf Telegram

ملخص يوميات مصرية | هل تكفي العيون لتروي حقيقة مصر؟

المؤلف : ويليام جولدنج

كتابة : ياسر مرعي

كتاب يوميات مصرية من تأليف وليم جولدنج رحلة نيلية يسجل فيها الكاتب البريطاني تفاصيل المدن المصرية وحياة الناس بصدق حاد، يكشف التناقض بين الواقع والخيال ويقدم رؤية مختلفة لمصر بعيدًا عن الصور السياحية التقليدية.


ملخص الكتاب

ملخص كتاب يوميات مصرية للأديب البريطاني وليم جولدنج تكشف وجهًا مختلفًا لمصر، ليست مصر الأساطير وحدها ولا الأهرام التي تعودنا على أن نراها في صور الكتب، بل مصر النيل في أيامه الباردة، ومصر الناس في عاداتهم وتفاصيل حياتهم، ومصر المدن التي تخفي بين طياتها وجوهًا متناقضة بين البهاء والبؤس.

تبدأ الحكاية مع قرار الكاتب أن يخوض رحلة نيلية على متن مركب متواضع، لم يكن المشهد كما تخيله، ضفاف النيل ارتفعت فأخفت عنه كثيرًا من جمال الطبيعة، ومع ذلك ظل يسجل ما يراه بدقة في كتاب يوميات مصرية، كان يراقب مصانع الطوب الأحمر جنوب الجيزة ومصانع السكر في المنيا وقنا، ويرى الغبار وهو يغطي السماء، فيشعر بالخذلان من هذه الصورة القاتمة التي لا تشبه ما حمله من أحلام قديمة عن أرض الفراعنة.

وسط خيبات النظر من فوق المركب، لجأ الكاتب إلى النزول للبر، هناك اكتشف مدنًا مثل البهنسا في المنيا، حيث تخيل نفسه عالمًا يفتش في البرديات القديمة، كما زار الفيوم وبحيرتها الهادئة التي تركت أثرًا أعمق من النيل نفسه، وفي الدلتا وقف عند بركة السبع كأنها محطة أخيرة لرحلة لم تكتمل إلى أسوان، كل مكان دوّنه جولدنج بدقة في كتاب يوميات مصرية وكأنه يرسم خريطة خاصة لرحلة عابرة لكنها محمّلة بالرموز.

أكثر ما أثار دهشته كان هرم ميدوم، رآه أعظم من أهرام الجيزة، ربما لأنه السلف المباشر لها وربما لأنه شعر فيه بصدق التجربة الإنسانية الأولى في البناء، هذا الاختيار الغريب يعكس طبيعة الكاتب الذي ينحاز إلى ما يراه شخصيًا لا إلى ما هو متعارف عليه، وهنا يظهر البعد النقدي في كتاب يوميات مصرية حيث يمزج جولدنج بين عين السائح وأسلوب الفيلسوف.

اللقاء مع شيخ المعماريين حسن فتحي في الأقصر كان محطة أخرى، وجده يتحدث بمرارة عن نجاحه في المكسيك وفشله في وطنه مصر، هذه المفارقة لخصت أمام الكاتب قصة الإبداع المصري المهدور، في هذه اللحظة بدا أن يومياته لم تعد رحلة عابرة بل شهادة على واقع ثقيل لا يخلو من وجع، وهكذا صارت يوميات مصرية ليست وصفًا للمدن والأنهار فقط بل محاولة لفهم الروح المصرية بين الأمل والخذلان.

ومع أن الكتاب يمتلئ بالصور القاسية والانتقادات الحادة إلا أن القارئ يجد نفسه مأخوذًا بهذا المزج بين الواقع والخيال، فالكاتب لم يكن مجرد رحّالة بل ناقدًا للحياة كما رآها، وربما كان أكثر ما يُؤخذ عليه أنه لم يحاول أن يقترب من الناس بشكل مباشر، لم يتعلم كلمات عربية ولم يسع لصداقات محلية، ولذلك بدت يوميات مصرية روتيني أحيانًا سجلاً لأحكام باردة أكثر منها مشاهدات حية.

ومع ذلك فإن قيمة كتاب يوميات مصرية أنه يفتح الباب أمام القارئ ليرى مصر بعيون مختلفة، هي ليست مصر التي تُروى في الأدلة السياحية بل مصر التي تُعاش في روتين يوميات مصريه وفي هموم الناس التي قد لا نلتفت إليها، حتى في تفاصيل تبدو عابرة مثل حديث عن المحرك المزعج أو البحارة البسطاء يكمن معنى عميق، ومن يقرأه يشعر أنه يلمح يوميات ام مصريه تكافح في بيتها أو يوميات بنوته مصريه تبحث عن أحلامها الصغيرة، كلها صور يربطها الخيط ذاته وهو أن مصر لا تُعرف من بعيد بل من تفاصيلها اليومية.

في النهاية يبقى كتاب يوميات مصرية شهادة ذات وجهين، وجه ينقل صورة قاسية أحيانًا عن بلد أنهكته المصاعب ووجه آخر يرسم حضورًا إنسانيًا لا يُمحى مهما علا الغبار، وبين هذين الوجهين يولد سؤال القارئ: هل هذه مصر التي نعرفها أم مصر التي رآها الأديب بعينه المتفحصة؟ وهنا تكمن قيمة العمل إذ يدعونا للتأمل في معنى أن نروي يوميات مصرية بحق.