ملخص كتاب التخلي عن الأدب | كيف يصبح الصمت وجهًا آخر للكتابة؟

المؤلف : عبد الفتاح كيليطو

كتابة : ياسر مرعي

كتاب التخلي عن الأدب من تأليف عبد الفتاح كيليطو، عمل نقدي تأملي يستكشف معنى الانسحاب من الكتابة بوصفه فعلًا إبداعيًا، يجمع بين التراث العربي والحداثة في فصول تمزج بين الفكر والذاكرة بلغة أدبية عميقة وجذابة.


ملخص الكتاب

ملخص كتاب التخلي عن الأدب للكاتب عبد الفتاح كيليطو، هل يمكن للكاتب أن يتخلى عن الأدب؟ وهل يكون هذا التخلي انقطاعًا أم ولادة جديدة للكتابة نفسها؟ في كتاب التخلي عن الأدب يفتح عبد الفتاح كيليطو أبواب السؤال على مصراعيها ليقود القارئ في رحلة تأملية نحو معنى الانسحاب، لا بوصفه ضعفًا بل كقوة خفية تحفظ للأدب قدرته على التجدد والبقاء، هذا العمل ليس مجرد دراسة نقدية، بل تجربة فكرية في جوهرها، حيث يتحول الصمت إلى لغة، والانقطاع إلى فعل إبداعي.

 

مفهوم التخلي كحركة داخل الأدب

في كتاب التخلي عن الأدب لا يتحدث كيليطو عن الانقطاع بمعناه السلبي بل يقدمه بوصفه جوهرًا حيويًا للأدب نفسه، فالتخلي قد يكون رغبة في استراحة من اللغة، وقد يكون شكلًا آخر من الوفاء لها، الكاتب يرى أن كل نص أدبي يتأسس على غيابٍ ما، وأن لحظة الصمت التي تسبق الكتابة هي جزء من معناها العميق، هكذا يتحول فعل "التخلي" إلى مدارٍ تأملي يجعلنا نعيد النظر في علاقة الكاتب بأدبه وفي الحدود بين الكتابة والسكوت.

يضم كتاب التخلي عن الأدب عشرين فصلًا يتنقل فيها كيليطو بخفة بين العصور والثقافات، من "بورخيس والمغرب" إلى "أبو العلاء" ومن "دون كيخوطي" إلى "رومان غاري"، يتقاطع الشرق بالغرب في نسيج من الأسئلة التي لا تنتهي، كل فصل بمثابة مرآة تعكس فكرة التخلي في صورة جديدة: مرة في زهد أبي العلاء المعري عن الشعر التقليدي، ومرة في انقطاع رولان بارت عن النقد، ومرة في تمرد الجاحظ حين نسب كتبه لغيره ثم عاد فتبناها، بهذا الأسلوب يثبت كيليطو أن الأدب يولد من لحظات الانفصال أكثر مما يولد من الاستمرار.

 

بين التراث والحداثة

يمزج كتاب التخلي عن الأدب بين القراءة التراثية والوعي المعاصر، فحين يقرأ كيليطو رسالة الغفران للمعري مثلًا، لا يكتفي بشرحها بل يعيد النظر في كيفيات تلقّيها في الغرب بعد ترجمتها وربطها بالكوميديا الإلهية لدانتي، كذلك يفعل مع دون كيخوطي حين يربطها بالموروث العربي في شخصية "حامد بن الأيلي" المترجم الظلّي الذي يمثل التخلي عن الاسم والهوية لصالح النص، هذه المقارنات لا تهدف إلى تأكيد التشابه بقدر ما تسعى إلى إحياء الحوار بين الثقافات وجعل الأدب العربي جزءًا من سردية عالمية واحدة.

 

الفكرة كرحلة إنسانية

في نظر كيليطو، التخلي ليس هروبًا بل تحول، هو الوجه الآخر للإبداع الذي يتجدد حين يتخلى الكاتب عن يقيناته القديمة، في كتاب التخلي عن الأدب يربط الكاتب بين تخلي الكتّاب عن أسمائهم أو أنماطهم السابقة وبين سعي الإنسان الدائم إلى اكتشاف ذاته، فكما كتب محمد حسين هيكل رواية "زينب" باسم مستعار خوفًا من أن تُحسب عليه، وكما اختارت عائشة عبد الرحمن اسم "بنت الشاطئ" لتواجه مجتمعا ذكوريا، كذلك يصبح التخلي وسيلة للبقاء في قلب الأدب لا خارجه.

 

قراءة في الروح النقدية

يمتاز كتاب التخلي عن الأدب بنبرة تأملية مرحة تجعل النقد أشبه بحوار حي بين الكاتب والنصوص، يقرأ كيليطو الأدب لا كأرشيف بل ككائن يتنفس، يربط بين النصوص القديمة والمعاصرة، ويجعل من كل اقتباس نافذة لفهم أعمق للهوية الثقافية، أسلوبه في الكتابة يشبه التجوال الهادئ بين الممرات السرية للتراث، حيث كل فكرة تفتح أخرى، وكل نص يضيء نصًا آخر، إنه نقد مكتوب بلغة شاعرية رصينة لا تنفصل عن روح الأدب الذي يتحدث عنه.

يخلص كيليطو في كتاب التخلي عن الأدب إلى أن الأدب لا يزدهر إلا حين يتخلى عن نفسه قليلًا، فكل كتابة عظيمة تمرّ بلحظة تردد وصمت، وكل كاتب حقيقي يختبر الانفصال عن نصوصه كي يكتب من جديد، التخلي إذًا ليس نقيض الكتابة بل شرطها الخفي، ومن هنا يكتسب العنوان معناه الكامل: إننا لا نستطيع فهم الأدب إلا من خلال غيابه المؤقت، ولا نعرف قيمته إلا حين نحاول أن نتخلى عنه.

 

لمحة عن الأسلوب والتأثير

أسلوب كتاب التخلي عن الأدب حر ومرن، يجمع بين التهكم الخفيف والتأمل العميق، يعتمد على المقارنة والاستعارة والتداخل الثقافي، ويقدّم النقد كفعلٍ إنساني حي لا كبحثٍ أكاديمي جامد، إنه دعوة إلى قراءة الأدب من زاوية مغايرة، زاوية تسمح بأن نرى في الصمت استمرارًا للكلام، وفي التخلي شكلًا من أشكال البقاء.