
للتواصل معنا
ملخص رواية الرسم والخط (دليل الرسم والكتابة) للكاتب البرتغالي الحائز على جائزة نوبل جوزيه ساراماجو، هي الانطلاقة الحقيقية التي وضعته في ذروة الإبداع العالمي، بأسلوبه الفلسفي المميز، يضع ساراماجو الحياة على لوحات الرسم والتواءات الخط، ساعياً لإيجاد المعنى الحقيقي لتعقيدات الوجود، بطل الرواية هو الرسام "هـ." الذي يمتهن رسم البورتريهات تحت الطلب، يشعر "هـ." بعدم الرضا عن عمله الذي يغوي الزبون، ولكنه لا يقنعه كفنان، هنا، تبدأ يده بالتمرد على الفرشاة لتمسك بالقلم، معلناً أن "في الرسم توجد دائماً لحظة لا تحتمل فيها اللوحة خط فرشاة آخر، بينما هذه السطور من الممكن أن تطول بشكل لا نهائي"، وهكذا تتحول رواية الرسم والخط إلى شهادة على زمن التحول الكبير في البرتغال.
يُكلّف الرسام "هـ." برسم بورتريه لرجل صناعي ثري يُدعى "س."، لكنه يشعر بعجزه عن إيجاد الحقيقة في صورته المعتادة، في لحظة بحث عن حقيقة ذاته ولحظة الولادة الحقيقية التي يرى أنها تحدث عندما يلقي الشخص نظرة فطنة على نفسه، يقرر "هـ." رسم صورة ثانية سرية لعميله، صورة كما يراها هو بعين الفنان، وليس بناءً على رغبة العميل، من خلال هذه التجربة، يستكشف رسام البورتريه حدود الفن والكتابة، ويتأمل في معنى الإبداع والهوية.
هذا البحث عن الذات يفتح الباب أمام تساؤلات فلسفية عميقة: ما هي الحقيقة؟ هل هي ما نراه بعين متغيرة؟ وهل يمكن للصورة التي تُصنع على قماشة الرسم أن تحمل الحقيقة كاملة؟ يرى ساراماجو أن "الفنان الحقيقي هو الذي يرى ويصدق أنه يرى"، ويعرف كيف يجعل عالمه أوضح وأقوى وأصدق، إن الحقيقة هي التي يراها قلبك بكل ضوئها وظلالها وظلامها أيضًا.
عندما يلمس الرسام عجزه عن إيجاد صورته الحقيقية حتى في تلك الصورة الثانية السرية، يقرر التحول إلى الكتابة، تصبح الكتابة هنا ليست مجرد محاولة تدمير أخرى، وإنما بالتحديد "محاولة لإعادة بناء كل شيء في الداخل"، يكتب رسام البورتريه يوميات تأملية وسيرته الذاتية، فتتماهى حياته مع الأحداث المهمة التي مرت بالبرتغال في الفترة التي سبقت ثورة القرنفل عام 1974.
تمزج رواية الرسم والخط ببراعة بين السرد الذاتي والتأمل الفلسفي، وتعكس وجه الكتابة وجه الرسم، ليتردد صدى العمل في فكرة أن الأخلاق وعلم الجمال لا ينفصلان، وأن الفن ينبغي أن يكون صوت ضمير المجتمع، تُعد هذه الرواية تمهيداً لموضوعات ساراماجو اللاحقة مثل العلاقة بين الفن والسياسة، والبحث عن الذات، والتشكيك في السرديات الرسمية لأواخر عهد ديكتاتورية سالازار.
يلاحظ القارئ هنا أيضاً إيمان ساراماجو بقوة المرأة وجرأتها، وحرية النساء التي تدهشنا فجأة، واضعة أمامنا "أفدنة شديدة الاتساع من الحرية"، إن الكاتب يجسد لنا الحكاية على إيقاع كتابة الرسام لسيرته، ليلتحم تاريخ الإنسان بتاريخ الأرض بتاريخ الحياة.