
للتواصل معنا
كتاب القرآن كائن حي من تأليف مصطفى محمود، هو رحلة روحانية وعقلية يخوضها القارئ برفقة الدكتور مصطفى محمود ذلك الفيلسوف الذي لا يكتفي بمجرد تأمل النصوص بل يَنفُذ إلى لبّها متسائلًا وناقدًا ومتفكرًا في معانيها وامتداداتها في واقع الإنسان، من خلال هذا الكتاب لا يتعامل الكاتب مع القرآن ككتاب جامد تقليدي بل يراه ككائن نابض بالحياة يتنفس في داخل الروح ويتفاعل مع القلب والعقل في آن واحد، كائن يتجدد في المعنى كلما اقترب منه الإنسان بنيّة الفهم لا الحفظ، وبعشق التلقي لا جمود التقليد.
يرى مصطفى محمود أن كتاب القرآن كائن حي لا يمكن أن يُقرأ كما تُقرأ بقية الكتب، إنه لا يُستهلك ولا ينفد بل كلما قرأته خرجت منه بمعانٍ جديدة ومكاشفات أعمق، فالقرآن في نظره ليس فقط كلامًا مقدسًا بل رسالة متجددة تُخاطب كل جيل بلغته وتُناجي الإنسان في غربته وتُرشده إلى طمأنينة القلب وسكينة الروح.
إن تكرار القراءة لا يخلق مللًا في هذا الكتاب بل يخلق دهشة، كما لو أنك تقرأه للمرة الأولى لأن كل موقف تعيشه يُلقي على النص ظلالًا جديدة، فالحياة تتغير وكذلك زاوية نظر الإنسان ومن هنا يصبح كتاب القرآن كائن حي كالمرآة التي تعكس ما بداخلك لا ما فيها فقط.
في هذا الكتاب يطرح مصطفى محمود أسئلة قلّ من يتجرأ على طرحها، يسأل عن مغزى الخلق وعن سر البلاء وعن العدل الإلهي ويعترف بتقصيره في الفهم، ثم يوضح أن القرآن هو الوحيد الذي منحه شعور اليقين رغم كل شكوكه لأنه في لحظات الشك الكبرى كان يجد فيه الأجوبة بصيغة الطمأنينة لا بصيغة القهر.
كتاب القرآن كائن حي لا يُشبه كتاب تفسير ولا يتشابه مع دروس الوعظ، بل هو أقرب ما يكون إلى دفتر تأملات رجل أمضى عمره في البحث عن الحقيقة، ثم حين اقترب من نهايته أدرك أن الحقيقة كلّها كامنة في كلمات هذا الكتاب الحي، كلمات تتلوها فتشعر أنها تخاطبك وحدك وأنها تعلم ما مرّ بك وما في قلبك وما تخفيه عن الناس.
ومن خلال فصول هذا الكتاب يسلط الكاتب الضوء على أوجه الإعجاز القرآني، لا من منظور لغوي أو علمي فحسب بل من زاوية شعورية ووجودية، حيث يكشف كيف يمكن لكلمة واحدة من القرآن أن تُبدد عتمة الروح أو تُحيي أملًا خامدًا أو تعيد إنسانًا إلى رشده، فكل آية عنده كأنها ومضة نور تهدي في ظلمات الحياة.
ثم ينتقل الكاتب إلى مقارنة بين الفهم التقليدي الجامد للنصوص وبين الفهم المتجدد المتحرر من سطوة التكرار، ليؤكد أن القرآن ليس حبيس الماضي بل هو رسالة المستقبل، وأنه كتاب الحياة لا كتاب الموت لأنه كلما قرأته استيقظ فيك إحساس جديد بأنك تُبعث من جديد وأن قلبك يبدأ النبض بشكل مختلف.
ويُبرز مصطفى محمود في هذا الكتاب أهمية أن يتعامل الإنسان مع كتاب القرآن كائن حي وكأنه يخاطبه مباشرة لا عبر وسيط، لأنه كلما اقتربت من النص دون حواجز المفسرين أو سطوة الأعراف شعرت بأنه يهمس لك بما تعجز الكلمات عن شرحه، فهو لا ينتمي فقط إلى الأزمنة الماضية بل يُخاطب الحاضر ويُهيئك للمستقبل.
كما يشير الكاتب إلى أن فهم القرآن لا يكون فقط بالعقل بل بالقلب أيضًا فهناك مستوى من المعاني لا تدركه العقول وحدها بل تُضيئه البصيرة، ولهذا فإن كتاب القرآن كائن حي يربط بين العقل والروح وبين الفكر والإحساس، بين السماء والأرض وبين اليقين والتسليم.
في ختام هذا العمل الأدبي والفكري لا يمكن للقارئ أن يخرج كما دخل، لأن كتاب القرآن كائن حي هو من تلك الكتب القليلة التي لا تكتفي بأن تُغذي العقل بل تُوقظ القلب، وتدفعك إلى أن تعيد النظر في كل ما كنت تظنه يقينًا، لتكتشف أن اليقين الحقيقي لا يكون إلا حين تُنصت لهذا الكائن الحي الذي يهمس بالحق ويُضيء درب الباحثين عن النور.