
للتواصل معنا
رواية المقعد البرتقالي للكاتبة ماجي الشافعي، وسط كل الصراعات تنبثق رواية المقعد البرتقالي كصوت حنون يهمس في أذن من أنهكهم الألم، إنها ليست مجرد سرد لحكاية فردية بل مرآةٌ لقلوب مثقلة بالحزن ورسالة لكل من يشعر أنه يخوض معاركه وحيدًا، لا تعدنا الرواية بالخلاص بل يعرض علينا فرصة نادرة لفهم أنفسنا من جديد ومواجهة الظلال التي طالما هربنا منها.
تبدأ رواية المقعد البرتقالي بنداءٍ داخلي صادق يلامس هشاشة الروح ويتساءل: هل سبق وشعرت أنك وحيد في معركتك مع الألم؟ ثم تقودنا في رحلة عبر تفاصيل فقدٍ مؤلم وشخصية رئيسية تعيش اضطرابًا داخليًا بعد فقدان شخص عزيز عليها نجدها على المقعد البرتقالي، ذاك الرمز البسيط المتخم بالذكريات والحنين تبحث عن مخرج من فراغها النفسي بينما تتأرجح بين الماضي والحاضر ويغدو الألم لغتها اليومية والأمل نَفَسها المكبوت.
رواية المقعد البرتقالي لا تتوقف عند حدود الحزن بل تنفذ إلى جوهر العلاقات الإنسانية، فالصديقة التي تسند البطلة تمثل تجسيدًا لقوة الصداقة وأهمية الدعم العاطفي حين يبدو كل شيء آيلاً للانهيار نجد أن وجود الآخر مهما كان بسيطًا، قد يُحدث الفرق الكبير هنا تصبح الصداقة ملاذًا والأحاديث البسيطة بلسَمًا وتتحول المشاركة من مجرد حديث إلى طوق نجاة ينقذ الأرواح من الغرق في عزلاتها الداخلية.
ماجي الشافعي بأسلوبها السردي السلس والبسيط تغزل الأحداث بلغة عاطفية عميقة فتمنح رواية المقعد البرتقالي طابعًا وجدانيًا نابضًا بالتفاصيل الحسية لا تلهث وراء الغموض بل تختار الوضوح كوسيلة للصدق وتمنح القارئ متعة التفاعل المباشر، مع المشاعر دون الحاجة إلى أقنعة أو تعقيد يظهر ذلك في استخدام الرمزية الدقيقة كالمقعد البرتقالي ذاته الذي يختزل الذكرى والدفء والفقد في آنٍ واحد.
تحمل الرواية في طيّاتها رسائل متتابعة تتسلل من بين السطور لتلامس وجدان القارئ من أبرزها أن الألم ليس نهاية الرحلة بل بدايتها، وأن في مواجهة الحقيقة شجاعة أكبر من الهروب منها هنا تبرز واحدة من أقوى أفكار رواية المقعد البرتقالي وهي أن الذاكرة ليست دائمًا لعنة بل قد تكون طريقًا للشفاء إذا عُدنا إليها بوعي وبصيرة.
اللغة التي استخدمتها ماجي الشافعي في صياغة العمل تتّسم بعذوبة لا تُثقل كاهل القارئ بل تسير به برفق بين محطات الألم والحنين دون أن تفقده الانتباه أو تسبب له النفور، حتى عندما يبطؤ الإيقاع في بعض المواضع تظل العاطفة المتوقدة كافية لجذب القارئ نحو المزيد من التورط العاطفي مع الشخصيات.
ومن أبرز ما يميز رواية المقعد البرتقالي قدرتها على تمثيل الشخصيات بواقعية صادقة تلامس الحقيقة النفسية دون تصنّع، فالبطلة ليست مثالًا للقوة المطلقة ولا الصديقة رمزًا للكمال بل هم بشر في حالاتهم الإنسانية الخالصة يترددون يتراجعون ثم ينهضون مجددًا.
تستعرض الرواية كذلك كيف أن الفقد يمكن أن يعيد تشكيلنا من جديد لأننا نتعلم كيف نحيا برفقٍ معه دون أن ننكسر، تحوّل الشخصية الرئيسية في نهاية الرواية من باحثة عن النجاة إلى متصالحة مع ما لا يمكن تغييره يعطي القارئ دفعة عميقة من الأمل بأن الحياة تستمر رغم كل شيء.
رواية المقعد البرتقالي ليست عملاً روائيًا وحسب بل تجربة إنسانية تسعى إلى أن تجعل القارئ يرى نفسه فيها كواحد من أولئك الذين جلسوا على المقعد ذاته ربما لمشاركة الوجع وربما لاسترجاع ابتسامة ضائعة، لكنها بالتأكيد دعوة مفتوحة للتعافي والاعتراف بأننا لا نُشفى وحدنا بل حين نجد من يصغي.