
للتواصل معنا
ملخص كتاب الأيام للكاتب الأديب طه حسين، في سردٍ نابض بالحياة والمقاومة، يُقدّم لنا طه حسين تحفة خالدة بعنوان كتاب الأيام، سيرة ذاتية تتجاوز كونها توثيقًا لمسيرة رجل، لتغدو شهادة إنسانية على صراع العقل ضد العمى، والكرامة في وجه القهر الاجتماعي والفقر والجهل، ينقسم هذا العمل الكبير إلى ثلاثة أجزاء، كأنها فصول من ملحمة روحية ناضجة تنقلنا من ظلال القرية إلى أروقة الأزهر، ثم إلى آفاق الفكر في فرنسا.
ما الذي يعنيه أن تبدأ حياتك في ظلام دامس؟ في هذا الجزء من كتاب الأيام، يستعيد طه حسين طفولته بين أحضان قرية فقيرة لا ترى فيه إلا فمًا يلتهم الطعام، كان فقدانه للبصر منذ الصغر شرارة أولى في معركة كبرى خاضها ضد الجهل والتهميش، يحكي عن الكُتّاب، وحفظ القرآن، والشيوخ الذين زرعوا في نفسه أول بذور الرفض، لم يكن مجرد طفل مطيع، بل عقل صغير بدأ منذ تلك الأيام في طرح الأسئلة، وفي نهاية هذا الجزء، نراه يستعد للرحيل إلى الأزهر، حاملاً ألفية ابن مالك كرمز للانتقال من القرية إلى عوالم أوسع.
هنا يبدأ الصدام الحقيقي، الأزهر لم يكن كما حلم، بل وجده ساحة للجمود والرتابة، وفي هذا الجزء من كتاب الأيام، يفتح طه حسين النار على نظام التعليم الديني، حيث تقاليد عمياء تُقدّس التلقين وتحارب العقل، حاول أن ينال شهادة العالمية، لكن شيخ الأزهر قرر ألا يمنحها له، مهما كانت كفاءته، فهل كانت هذه النهاية؟ أبدًا، هذا الظلم دفعه لاختيار طريق جديد، نحو المدرسة الأهلية، حيث بدأت ملامح التغيير تتشكل، وبدأت ذاته المستقلة تتكون.
من الأزهر إلى باريس، يحمل كتاب الأيام قارئه إلى رحلة استثنائية في عوالم الفكر الغربي، فرنسا لم تكن ملاذًا سهلاً، بل أرضًا غريبة اختبر فيها الوحدة والشك، في البداية، عاش طه حسين حالة شبيهة بالتصوف المظلم، حتى ظهرت "سوزان" في حياته، قارئة فرنسية شابة تحوّلت إلى عينين يبصر بهما الحياة، زواجه منها لم يكن فقط رباط حب، بل بداية لمرحلة جديدة تحرر فيها من كل العوائق، حصل على الدكتوراه، ثم عاد إلى مصر، ليصبح عميد الأدب العربي.
كتاب الأيام ليس فقط سجلًا لحياة طه حسين، بل وثيقة حية تعكس تحولات المجتمع المصري، وتُسائل المفاهيم الجامدة، إنه مرآة لحال التعليم، والدين، والطبقية، والاغتراب الفكري، وفي كل فصل منه، ينبض صوته العميق، وضميره المستنير، الكتاب موجّه لكل من أراد أن يرى النور وسط الظلمة، ولكل من آمن أن العقل لا يُهزم.
من يقرأ كتاب الأيام، لا يقرأ سيرة ذاتية فقط، بل يُشارك في رحلة إنسان تحدّى العمى بالعقل، والفقر بالعلم، والخذلان بالعزيمة، عملٌ يفيض بالتأملات التي لا تُنسى، ويستحق أن يُقرأ، ثم يُقرأ من جديد، هو درس للأجيال، وعبرة للعقول، وجمال للغة لا ينطفئ.