
للتواصل معنا
ملخص رواية دير ياسين للكاتب الروائي وليد حسن المدني، في قلب فلسطين حيث الزيتون يحرس الأرض ويهمس بالحكايات، تنبض رواية دير ياسين بالحياة والمقاومة، هذه الرواية، التي كتبها وليد حسن المدني، لا تكتفي بسرد مجزرة، بل تنسج من الوجع الفلسطيني تاريخًا نابضًا وشخصيات تتنفس بين السطور، فهل يمكن أن نقرأ عن رواية دير ياسين دون أن نشعر وكأننا نعيشها؟
تبدأ الرواية بمشهد تمهيدي يعود بنا إلى عام 1187، عندما قاد صلاح الدين الأيوبي الجيوش العربية لتحرير القدس، من يروي هذا الحدث؟ شجرة زيتون عتيقة، أسلوب فريد يستهل به الكاتب سردًا رمزيًا يجعل من الشجرة شاهدًا حيًا على تعاقب النكبات والنضال الفلسطيني، ثم تنتقل الرواية إلى المحور الأساسي، حين تصل وداد، المرأة الأرملة القادمة من اللد، إلى قرية دير ياسين بصحبة طفليها، من هذه اللحظة تبدأ خيوط الدراما في التشابك داخل قرية ما تزال في الذاكرة حاضرة.
الرواية تنسج حكايتها عبر فترات زمنية تبدأ من 1931 حتى عام 1948، وبأسلوب الراوي العليم، وتوظيف ذكي لشجرة زيتون كساردة لبعض المقاطع، يمنح الكاتب العمل بعدًا رمزيًا وإنسانيًا، لكن ما الذي تنتظره وداد في دير ياسين؟ هل الأمان حقًا هناك؟ أم أن للقدر رأيًا آخر؟
يمضي وليد حسن المدني في رواية دير ياسين بخطى سردية متماسكة، فهو لا يطرح المجزرة في البداية ولا يجعلها مركز السرد، بل يأتي بها في الفصل الأخير كذروة، بعد أن يكون القارئ قد تعرف على القرية وسكانها وعاش تفاصيلهم اليومية، تلك الحيلة الفنية تُشعل المأساة حين تقع، لأنها تقع في قلب من تعرفنا إليهم وأحببناهم.
فصول الرواية منظمة بطريقة تجعل القراءة سهلة وجذابة، على الرغم من عدد الصفحات الكبير، لا يشعر القارئ بالملل. بل على العكس، كل صفحة تدفعك إلى التي تليها، هناك مشهد.. ثم حدث.. ثم مفاجأة. هكذا يظل الإيقاع متصاعدًا، لا رتابة ولا فراغ.
الحوارات مكتوبة بلغة عربية فصيحة، لكنها تنبض بالعصر وروح الناس، السرد كذلك: مشبع بالمشاعر، لا يخلو من صور بلاغية قوية وأسلوب عاطفي يجعل الأحداث قريبة من القلب، أما الشخصيات، فعددها كبير، لكن كل شخصية مرسومة بإتقان، كل واحدة لها تاريخها، دوافعها، صراعاتها الداخلية، وحتى أحلامها الصغيرة.
يُدهشك كيف استطاع الكاتب أن يجعل من قرية واحدة، بحجم دير ياسين، عالماً متكاملاً، فيها المقهى والمدرسة والدكان والهم اليومي والفرح المتقطع والحب الخائف والخوف المتربص، ومن بين هذه التفاصيل، ينبثق الصراع السياسي الذي يهدد كل شيء، المجازر لا تأتي فجأة، بل تتراكم كمشهد درامي تقوده الأحداث حتى ذروتها الدامية.
هل انتهت الحكاية عند المجزرة؟ لا! فالرواية رغم نهايتها الحزينة تشعل فيك أسئلة لا تنتهي: هل ستُكتب الذاكرة الفلسطينية بقوة الحكاية؟ هل يكفي السرد كي ننتصر؟ هل يمكن أن تتحول رواية دير ياسين إلى ملحمة متعددة الأجزاء؟ ربما لأن المادة الخام موجودة، والمشهد الفلسطيني لا يزال ينبض بالحكايات.
ولعل هذا ما يجعل من رواية دير ياسين واحدة من أجمل الروايات التي قرأتها هذا العام، فهي ليست فقط عملًا سرديًا محكمًا، بل مرآة لهوية، وصوت لذاكرة جمعية مهددة بالنسيان، هي نموذج لما يمكن أن تكون عليه الرواية العربية حين تمتزج بالتاريخ والسياسة والإنسان في آن واحد.
في الختام، فإن وليد حسن المدني وضع حجر الأساس لملحمة حقيقية، فهل يفعلها ويحوّل روايته إلى ثلاثية تحكي القضية الفلسطينية بأجيالها المتعاقبة؟ إنها دعوة مفتوحة له، ودعاء مخلص من قارئ ينتظر المزيد.
إذا أردت إثراء حصيلتك المعرفية والأدبية بإمكانك الاطلاع على الروايات الآتية:
رواية الطنطورية تأليف الكاتبة رضوى عاشور
رواية ثلاثية غرناطة تأليف رضوى عاشور
كتاب أطياف من تأليف رضوى عاشور