
للتواصل معنا
ملخص كتاب عبقرية الصديق للكاتب عباس محمود العقاد، من بين ما سطّره الأدب الإسلامي الحديث، يظل كتاب عبقرية الصديق علامة بارزة في رسم ملامح أعظم رجل بعد الأنبياء، بأسلوبه الرصين وتحليله النفسي العميق، يغوص العقاد في شخصية أبي بكر الصديق، الخليفة الأول وصاحب النبي، ليكشف عبقريته التي تجلّت في مواقف لا تُنسى.
في الجاهلية كما في الإسلام، حمل أبو بكر أسماء متعددة، أشهرها "الصديق" و"عتيق"، والحق أن كتاب عبقرية الصديق يوضح أن هذه الألقاب لم تأتِ اعتباطًا، بل كانت تعبيرًا عن طبيعة أصيلة وسيرة عطرة، ولد بعد عام الفيل بسنتين، وكان من بني تيم الذين عُرف رجالهم بالهيبة والدماثة ونساؤهم بالحظوة والدلال.
لم يكن أبو بكر طويلًا ولا قصيرًا، بل وسطًا يميل إلى القصر قليلًا، كانت ملامحه تنطق بالوقار، وعيناه الغائرتان وسمته الهادئ يعكسان صفاء قلبه ونقاء سريرته، أما خُلقه، فكان أرقى من أن يُختصر بكلمات، التواضع فيه كان سجية، والكرم طبيعة، والحكمة هادئة متّزنة، عاش حرًّا من عبودية الخمر والشهوات، حرًّا من التعالي والكبر.
هل يُستغرب من رجلٍ كأبي بكر أن يكون أول من آمن من الرجال؟ كتاب عبقرية الصديق يجيب دون تردد: لا، بل إنه سارع إلى التصديق دون تردد ولا تراجع، ما دعاه النبي إلا أجابه، وما ذكر له شيئًا إلا قبله بيقين، كان تصديقه للنبي في حادثة الإسراء سببًا لتسميته بالصديق، ولكن الصدق في حياته كان سابقًا لهذه الواقعة.
وقد أثمرت دعوته فورًا، فأسلم على يده نخبة من كبار الصحابة الذين أسّسوا لاحقًا بنيان الدولة الإسلامية، لم يكن دعوته للإسلام كلامًا فقط، بل عملًا وحركة وصلاة علنية وجرأة في زمن الخوف، أفلا يكون هذا التصرف دليلًا على الإيمان الصادق؟
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، احتاجت الأمة إلى من يلمّ الشعث ويعيد الطمأنينة، فكان أبو بكر، كتاب عبقرية الصديق يبرز هذه اللحظة التاريخية العصيبة، حين وقف أبو بكر بثبات وقال قولته الخالدة: "من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت"، بهذه الكلمات لم يكتفِ بتهدئة القلوب، بل وضع الأمة على سكة الاستمرار.
قاد معارك الردة بصلابة، ولم يُهادن من ارتدّ عن الدين، بعبقريته الإدارية والعسكرية، وحُسن اختياره للقيادات مثل خالد بن الوليد، حفظ للدين دولته، وللإسلام قوّته.
هل كان بين النبي وأبي بكر مجرد صحبة؟ لا، بل كانت المحبة والتقدير أعمق من كل وصف، كتاب عبقرية الصديق يروي أن النبي اصطفاه ليكون رفيقه في الغار، وشريكه في السرّاء والضرّاء، وكان يقول للناس: "لو كنت متّخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر"، وعاش أبو بكر إلى جوار النبي، وحمل عنه عبء الدعوة، ثم حمل بعده أمانة الخلافة، وكان في كل موضع رجلًا يسبق زمانه بحكمة ورفق وثبات.