
للتواصل معنا
ملخص رواية الزيني بركات من تأليف جمال الغيطاني، ليست مجرد عمل سردي بل مرآة حية تنعكس عليها أوجاع الأمة وصراعاتها التاريخية، منذ الوهلة الأولى يجد القارئ نفسه أمام عالم يفيض بالرمز والمجاز والتأويل، حيث تتقاطع فيه السياسة بالدين، وتتشابك فيه أدوات السلطة بالخداع والبطش والمراقبة، فـ الزيني بركات ليس فقط اسم بطل الرواية بل هو تمثيل رمزي لعقل الدولة المستبد الذي يتجلى في صورة رجل بدا للناس عادلاً في البدء ثم انقلب وحشاً يحكم بالخوف.
من هو الزيني بركات؟ سؤال يتردد بين صفحات الرواية، هل هو المصلح الصادق الذي أراد الخير أم هو الانتهازي الذي تلبّس بلبوس الورع كي يسيطر؟ وهل الزيني بركات شخصية حقيقية؟ في ظاهرها قد تكون كذلك، إذ استعان الكاتب بمصادر تاريخية واقعية ككتاب بدائع الزهور لابن إياس، لكنه جعل من بركات بن موسى شخصية رمزية أوسع من مجرد شخص عاش في القرن السادس عشر، من هو الزيني بركات بن موسى؟ هو سؤال لا يحتاج إلى إجابة حرفية بقدر ما يستوجب تأملًا في دلالاته، فهو الحاكم، وهو الجهاز الأمني، وهو الكهنوت المتخفي في عمامة التقوى.
تحمل الرواية عبء الكشف، حيث يضعنا الغيطاني وجهاً لوجه مع وجع عربي لا ينتهي، في ظل صراع محتدم بين دولة مملوكية تتهاوى وقوة عثمانية تزحف، تتكشف الوجوه وتسقط الأقنعة، في البداية يتقرب الزيني بركات من العامة، يخطب فيهم ويعدهم ويحلف أنه حامي مصالحهم، لكن ما يلبث أن يبدّل وجهه، يغدو ظلًا مخيفًا يجثم على صدورهم، يتخذ من القمع أداة للتقويم ومن المخابرات وسيلة للإحكام.
في قلب الرواية جهازان يتناحران على السلطة، الحسبة والبصاصون، ولكلٍ ذراعه وسلطته، لكن النتيجة واحدة، القهر يتكاثر، الخوف يتمدد، والجسد الشعبي يئن تحت وطأة المغارم والجنايات والملاحقات، ومن خلف الستار يظهر كبير البصاصين زكريا بن الراضي، رجل الاستخبارات المتجبر، يجسد قبح السلطة حين تُترك بغير رقيب، وهو الذي لا يتردد في تعذيب الأبرياء، واختطاف الشبان، والتجسس على الجميع، حتى حاشية الدولة لم تنجُ من أذاه.
وحين نُسائل الرواية: أجمل ما كتب جمال الغيطاني؟ لعل الإجابة تبرز تلقائياً في هذا العمل الذي جمع بين التاريخ والرؤية والفن، وقدّم تحذيراً مبكراً من خطر البيروقراطيات القمعية، فالرواية بليغة في رسمها للمشهد العربي، دقيقة في تشريحها لبنية الاستبداد، هي ليست مجرد حكاية عن عصر مضى، بل وثيقة أدبية تشي بأن ما جرى بالأمس لا يختلف عما يجري اليوم.
ورغم قسوة المشاهد إلا أن الزيني بركات يغمر القارئ بجمال الأسلوب وتداخل الأصوات والرسائل، حيث تتنقل بين السرد والمذكرات والمونولوج الداخلي، وكلها أدوات وظفها الغيطاني لإيصال رسالة مفادها أن الخوف لا يصنع دولة، وأن الأمة التي لا تقرأ تاريخها تعيد ارتكاب أخطائه، ما أشبه سقوط القاهرة المملوكية بسقوط الحلم العربي في النكسة، وما أشبه الزيني بركات ببعض ممن توارثوا الحكم دون رؤية أو رحمة.
وفي ثنايا النص يبرز سعيد الجهيني، طالب العلم الذي يصرخ من عمق الظلام، هو صوت الهامش، صوت المقهورين، لسان من لا صوت لهم، عبره تتجلى فداحة ما يحدث حين يُغتال الوعي ويُصادر الأمل.
رواية الزيني بركات تكرر سؤال الوعي في وجه الاستبداد، تفضح آليات الخوف وتكشف هشاشة الحكم حين يقوم على الرعب لا على الثقة، إنها رواية لا تروى بل تُقرأ، لا تُختصر بل تُستحضر كلما رأينا العنف باسم النظام، والقمع باسم الإصلاح.
إذا أردت إثراء حصيلتك المعرفية والأدبية بإمكانك الاطلاع على الكتب الآتية: