
للتواصل معنا
ملخص كتاب نصف قرن مع بورخيس لـ ماريو فارغاس يوسا (الحائز على جائزة نوبل للآداب) الذي يعد اعترافاً أدبياً فريداً لكاتب عالمي بعبقرية كاتب آخر هو الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، يعترف يوسا في هذا العمل أن بورخيس كان مصدر إلهام مستمر له طوال حياته المهنية ومعيناً لا ينضب للمتعة الفكرية.
هذه المجموعة ليست مجرد مراجعات أدبية، لكنها عمل يجمع أنواعاً مختلفة –مقابلات، مراجعات، وملاحظات– بقصد إعطاء صورة كاملة وواضحة عن بورخيس الإنسان وعن عالمه الأدبي الشفاف والأنيق، إن علاقة يوسا بكتب بورخيس امتدت لأكثر من نصف قرن، وكانت كل قراءة تجدد حماسه وسعادته، وتكشف له أسراراً جديدة لهذا العالم البورخيسي غير المعتاد.
تكمن المفارقة العميقة والجمالية في كتاب نصف قرن مع بورخيس في التناقض الكبير بين ميول وشخصية الكاتبَين، يصف يوسا نفسه بأنه روائي مهووس بالواقع، مفتون بالتاريخ والسياسة والإثارة الجنسية، وهي موضوعات ازدراها بورخيس أو تجاهلها في أدبه، لم يغرِ الأدب العجائبي يوسا أبداً، ولم تثر اهتمامه كثيراً الموضوعات الفكرية والتجريدية البحثة التي عالجها بورخيس مثل الزمن، الهوية، والميتافيزيقا.
هل كانت هذه الاختلافات عقبة أمام تقدير عبقرية بورخيس؟ يجيب يوسا بالنفي القاطع، بل على العكس:
اكتشاف الذات: ساعده جمال وعبقرية العالم الذي أبدعه بورخيس في اكتشاف حدود عالمه الخاص.
براعة النثر: جعلته براعة نثر بورخيس يُدرك عيوبه ككاتب.
الحنين الوجودي: قرأ يوسا بورخيس دائماً "بحنين لا يمكن تحديده"، وإحساس بأن شيئاً من ذاك الكون الرائع الذي خرج من خياله سوف يُحرم منه، بغض النظر عن مدى إعجابه به.
يعترف يوسا بأن بورخيس من أهم الكتاب في اللغة الإسبانية في الوقت الراهن، ويندرج ضمن الكلاسيكيين، لكن قيمة كتاب نصف قرن مع بورخيس تتجلى في استكشاف بورخيس كظاهرة لا تُقلد:
المقلدون يموتون:
يؤكد يوسا أن أسلوب وثيمات بورخيس شخصية بشكل خالص، ولهذا "بورخيس يقتل مقلديه"، أي يلغيهم ويشي بهم كـ"بورخيسيين"، على خلاف كتاب آخرين كفولكنر أو جويس.
الانتقاد اللاذع:
يتناول يوسا مطبات بورخيس التي أزعجت اليسار أكثر من اليمين، حيث كان يفضل القضايا الخاسرة، ويستفسر يوسا عن جملة تركت أثراً مؤلماً في نفسه، كان بورخيس قال فيها: "هذيان وضلال كتابة الرواية، والاستفاضة على مئات الصفحات في وصف ما تكفي له جملة واحدة"، فيجيب بورخيس: "نعم، إنه خطأ وضلال، لكنه من اختراعي أنا".
شعرية النثر:
يرى يوسا أن شعر بورخيس جميل كقصصه وأبحاثه، وقد عثر بورخيس على تيماته الخاصة وانطلق نحو العالمية حينما تحرر من النزعة الكيريوليولية وبدأ يكتب بأصالة عظيمة.
يكشف يوسا جانباً حميمياً وإنسانياً لبورخيس، خصوصاً في المقابلة التلفزيونية التي أجراها معه:
الحياة كقراءة:
يلخص بورخيس حياته في عبارة كتبها في مقدماته: "كثير من الأشياء قرأتها وقليلها عشته"، فقد أمضى الحياة يقرأ في المكتبات، وكانت تجربته الحية محدودة، وعاش حياة مبتسرة خاصة من الوجهة العاطفية والجنسية، يؤمن بورخيس بأن المرء ليس بما يكتب، بل بما يقرأ.
السياسة والفوضوية:
حاول يوسا استدراج بورخيس للحديث في السياسة، فلم يغنم منه سوى تلميحات غامضة، يرى بورخيس أن الدولة شر لا بد منه في الوقت الراهن، ويصرح بأنه "فوضوي"، معتقداً أن الحرب جريمة، ومحذراً: "علينا الحذر عندما نختار أعداءنا لأننا نصير نشبههم مع مرور الوقت".
يختتم يوسا هذا العمل بالثناء على ماريا كوداما التي التقاها بورخيس في شيخوخته، والتي منحته الثقة ورافقته إلى آخر حياته، جاعلة تلك السنوات الأخيرة فترة سعيدة في حياة الكاتب، كتاب نصف قرن مع بورخيس هو شهادة على أن عبقرية بورخيس الأدبية تجاوزت كل الاختلافات الفكرية والسياسية، وحجزت له مكاناً خالداً وكونياً.